[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] مصادر إسرائيلية مطلعة أكدت انه في السنين التي سبقت استشهاد الرئيس عرفات، أُجري في إسرائيل نقاش مكثف لإمكانية اختطاف الرئيس وطرده. في مرحلة متأخرة بعد انشغلوا أيضا بخطط اغتياله. بحث اريئيل شارون نفسه والمسئولين الكبار في الجيش الإسرائيلي الخطط التنفيذية لطرد عرفات وكان حاضرا تدريبا عُرضت فيه الإمكانات تمثيلا. لم يوافَق على تنفيذ الخطط قط، لان قادة دورية هيئة القيادة العليا التي صاغتها لم يوافقوا على التزام أن لا يُمس رئيس السلطة زمن اختطافه - وخاف شارون الردود في العالم العربي في حالة قُتل عرفات. كان الرئيس محاطا طول الوقت بحراس وبمساعدين وكان الخوف أن لا يكون في الإمكان السيطرة عليه بغير إطلاق نار داخل المكتب المزدحم. الموجهون، من جهتهم، لم يوافقوا على المخاطرة وعلى أمر الجنود بعدم الرد بإطلاق النار، حتى إذا أطلقوا النار عليهم. ولما كان عرفات يحمل معه، طول الوقت، مسدسين، لم يطرح أناس الاستخبارات أن يفضل الرئيس أن يُذكر كمن مات ميتة الأبطال في تبادل إطلاق النار مع مختطفيه، وأنه لم يخضع للمؤامرة الإسرائيلية لطرده من فلسطين. توافق جهات أمنية رفيعة على أنه كلما ازداد الاشمئزاز الذي شعر به شارون من عرفات، وكلما وُصف الرئيس كعقبة رئيسة أمام التقدم، انتقل بحث اغتياله إلى خطوط أكثر جدية. ولكن قررت إسرائيل سرا تسميم عرفات أي أن تغتاله بغير أن تترك آثارا . ووقعت المخاطرة على الرغم من ان شارون قد وعد الرئيس بوش ألا يقتل عرفات. وقد اكد ذلك قبل يومين الاخ بسام أبو شريف المستشار السابق للرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات حيث قال ' أنه يملك محضره الخاص الذى يثبت أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق آرييل شارون ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق شاؤول موفاز هما من خططا لإغتيال الرئيس الفلسطيني الراحل ' . وأشار ابو شريف إلى أنه أول من اتهم إسرائيل بالسعى والتخطيط لإغتيال عرفات بدس السم له ، مشددا على أن تل أبيب تقف وراء موت عرفات وليس محمود عباس. وأوضح أن من اغتال الرئيس الفلسطينى الراحل هى ذات الجهة التى اغتالت رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحاق رابين وهى التى تحكم إسرائيل الآن ' نتنياهو ' وتقدم عن طريق اللعبة السياسية مظلة شرعية للتخريب والإغتيالات.
- تفاصيل جديدة حول عملية الاغتيال .
في يوم الثلاثاء، 12 تشرين الاول 2004، ظهرت علامات اولى على تدهور شديد في الوضع الصحي لياسر عرفات. لقد أصيب الرئيس كما قرر أطباؤه بمرض في جهاز الهضم. قبل ذلك بكثير ايضا، عانى عرفات أمراضا مختلفة: نزف دم في الجمجمة بسبب حادثة طائرة، فتيليغو (مرض جلدي)، ورجفة عامة عولجت بأدوية في العقد الأخير من حياته، والتهابا في المعدة أصيب به منذ تشرين الاول 2003 وفي السنة الأخيرة من حياته، ازدادت أمراض عرفات حدة حتى لقد أثرت في وضعه النفسي.
'تم تشخيص جرح معدة وحصى في كيس المرارة عنده. انهار الرئيس عدة مرات، وعانى ضعفا عاما وكان مزاجه خاضعا لارتفاعات وانخفاضات'، يقول أحد مقربيه. 'لقد شعر بأن الحصار حوله يضيق وأن العالم يفقد الاهتمام به. كان يبدو ان الجميع نسوه'. مال عرفات الى عدم تصديق من حوله، وكان على حق احيانا. 'لقد طلب بيانات عن كل وثيقة وصلت الى المكتب وعندما قدموا له ملاحظات عن حساسيته غضب، وارتجف جسمه كله وصاح: أنا معكور'
عانى عرفات زيادة على التدهور النفسي والضعف الجسماني، احيانا ايضا فقدان ذاكرة جزئيا. لقد قضى ساعات على ساعات في القراءة وهو يجلس على الجسر في المقاطعة المحاصرة، في المكان الوحيد الذي كان يستطيع أن يستمتع بأشعة الشمس فيه. في احدى المرات، عندما واجه تقريرا سمى أحد معارفه القدماء، رئيس ميرتس، عضو الكنيست يوسي بيلين، فاجأ مصاحبيه بسؤاله: 'من هو بيلين؟'. وصلت الامور ذروتها عندما سأل عن اسم ابنته 'زهوة'. يقول مقرب لعرفات 'تغير أبو عمار'. 'قبل نحو شهرين من انهياره، كان الرئيس يحتاج الى مساعدة في احتذاء نعليه وفي السير. لقد بدا منكسرا'.
ولكن عندما جاءت وفود فلسطينية لزيارة عرفات، كان يبدو أن الحديث عن شخص آخر. 'لقد احتضن وقبّل كل من جاء لرؤيته. كان مزاجه ممتازا وتقبل فرحاً كل هدية وصلته'. ابتلع عرفات بمعدل مذهل أدوية جاء له بها الزائرون، لكن زعم على مسامع رجاله أن الحديث عن فيتامينات كتبها له الاطباء. عندما استوضح المقربون، رد الاطباء انهم لم يعطوا الرئيس أي وصفة جديدة. 'سألته لماذا يأخذ هذه الادوية، فصدني عنه بجوابه: 'خلي على الله' '، يقول المقرب.
في يوم الثلاثاء نفسه، بعد العشاء، لاحظ ماكثو المقاطعة أن الرئيس يصعب عليه ان يقف وحده على رجليه. شكا عرفات انه يعاني غثيانا وقيئا. طلب القنصل العام لمصر في السلطة، نادر العاصر الى عرفات ان يأذن له بأن يرسل اليه وفد اطباء مصريين. وافق الرئيس وفي الغد، في 13 تشرين الاول، أُجريت عليه فحوص شاملة. اكتفى الفريق المصري بتقرير أن عرفات مصاب بنزلة صدرية وعاد الى القاهرة. لم يُجهد أحد نفسه بابلاغ طبيبه الشخصي، الدكتور اشرف الكردي، عن سوء الوضع الصحي للرئيس. 'لست أعرف لماذا'، يقول الكردي. 'في الماضي اعتادوا استصراخي بسبب كل نزلة صدرية خفيفة عاناها أبو عمار'.
في 18 تشرين الاول أرسل رئيس تونس، زين الدين العابدين، وفدا طبيا من قبله الى المقاطعة. شخص الفريق التونسي لاول مرة أن عرفات قد أصيب بالترومبوتستوفانيا (انخفاض في عدد أقراص الدم التي تشارك في عمليات تجلط الدم). لم يكن سبب الظاهرة واضحا وأوصى الاطباء بأن ينتقل عرفات الى العلاج والمتابعة في المستشفى في رام الله. أوضح التونسيون لمستشاري الرئيس أن غرفة العلاج المرتجلة في المقاطعة لا تكفي، مع اجهزتها الطبية الأساسية. عرفات، الذي رفض في السنة الماضية مطالب مشابهة، خوفا من ألا تسمح له اسرائيل بالعودة الى مكتبه، لم يرفض في هذه المرة الاقتراح رفضا باتا.
أظهر فحص الدم الذي أجري على عرفات في تلك الليلة انخفاضا حادا آخر في عدد أقراص الدم. انتهى العد في ذلك اليوم الى 46 ألف قرص. عند انسان سليم يفترض أن تكون نحوا من 150 ألفا. الفحص عن مخ العظام المسؤول عن انتاج الأقراص كان سويا، وهي حقيقة تسببت بكثرة علامات الاستفهام. رفضت سلسلة فحوص اخرى امكانية سرطان الدم (اللوكيميا) ولم توجد أدلة على تلوث شديد في الجسم.
ضغط رئيس الفريق المصري، الدكتور ابراهيم مصطفى، لنقل عرفات من فوره الى المستشفى في رام الله. في النهاية تقرر انتظار فريق طبي ثالث، اردني، يُبدي رأيا آخر. آنذاك فقط، في يوم الاربعاء صباحا، استُصرخ الى رام الله الطبيب الشخصي الكردي. استدعيت ايضا السيدة سهى عرفات الآن بتعجل من تونس، حيث كانت تزورها، الى المقاطعة. في الليلة بين الاربعاء والخميس تجمع في المقاطعة عشرات الاطباء، والمقربين والمستشارين. أقام الصحفيون خيمة عند مدخل المقاطعة، ينتظرون البشائر الطبية.
'عندما قابلته في يوم الخميس، لم يكن ذاك عرفات الذي عرفت'، يقول الدكتور الكردي. 'لقد عانى فقدان وزن، وآلاما في منطقة الكلى والبطن، وفقدانا تاما لشهوة الطعام وانخفاضا في انتاج أقراص الدم. كانت له بقع مستديرة حمراء كبيرة على وجهه، وجلد أصفر. سيقول لك كل طبيب إن هذه كانت أعراض تسميم'. يقول خبير الدم من مستشفى هداسا عين كارم انه اذا كان الحديث عن تسميم، فانه كان سيُلحظ ايضا انخفاض في انتاج الكريات البيضاء - وهذا الامر لم يحدث. ولكن في زعم الكردي، ربما يكون الحديث عن سُم غير معروف لا يجب أن يعمل كـ 'سم عادي' وأن يمس بالكريات البيضاء ايضا.
'كانت أعراض غريبة كثيرة'، يُلح الكردي. 'جمعت طواقم الاطباء وطلبت اليهم تقريرا عن نتائج فحوصهم حتى ذلك الحين. بيّن رؤساء الطواقم لي ان نقص أقراص الدم لم يحدث نتيجة وقف انتاج الأقراص في مخ العظام بل من هدم الأقراص في الدورة الدموية. يوجد إمكان سرطان معدة ايضا، اللوكيميا أو التلوث رُفضا. الامكانان اللذان بقيا كسببين للمرض كانا فشلا مناعيا أو تسميما. بين الاطباء انه يمكن الفحص عن هذه الفروض في مستشفى في الخارج فقط'. أثارت البقع الحمراء على وجه الرئيس انتباها كبيرا. يصعب أن نحدد هل نبعت من نزف دم نتيجة لمشكلات في تجلط الدم أو أنها بقع تسمى بقع 'السركوما' (بقع تنتشر في الأساس بين اليهود الغربيين ومرضى الايدز)..
- سهى والمستشفى .
'عندما دخلت سهى الغرفة الضيقة للرئيس، وفيها سرير لفرد، عرفها من فوره ودعاها 'حبيبتي' و'عزيزتي' '، يقول أحد حضور اللقاء. 'قبّلته سهى على خده ورد عليها بقبلة. منذ هذه اللحظة فما تلاها تولت قيادة ما يجري على نحو تام. بعد أن حودثت بوضعه الصحي، أقنعت الرئيس بأنه يحتاج الى علاج في الخارج، حلّت سهى معضلة هدف السفر وأعلنت عن أنها هي وزوجها قررا أن يكون العلاج في مستشفى في باريس، مقر سكنها'.
الآن بدأت المشاورات المتعجلة مع فرنسا ومع اسرائيل، التي طُلب اليها أن تُمكّن من خروج عرفات الى الخارج، ومن عودته ايضا. توجه أبو علاء الى القنصل الامريكي لكي تتأكد الولايات المتحدة أن 'الاسرائيليين لن يعوقوا' وفي النهاية تحدث مباشرة الى رئيس الحكومة اريئيل شارون، الذي وافق على أن يخرج عرفات لفحوص في مستشفى في رام الله. لم يكن واضحا للفلسطينيين أكان الإذن جاري الفعل ايضا بالقياس للخروج للخارج ولهذا هاتف عضو الكنيست احمد طيبي مستشار شارون، دوف فايسغلاس، وحصل منه على وعد اسرائيلي رسمي أن يستطيع عرفات الخروج الى فرنسا والعودة من هناك الى رام الله.
بعد الحصول على جميع الرُخص، دخل غرفة الرئيس أبو مازن، وأبو علاء وياسر عبد ربه. 'يجب عليك أن تمر في علاج في الخارج لكي يكون في الامكان مساعدتك'، توجه اليه أبو مازن. 'نجح عرفات في الجلوس حتى لقد أكل قليلا'، يقول أحد الحضور. 'كان مزاجه حسنا واستمتع بأن يسمع منا عمن هاتف وعمن سأل عن سلامته'. بعدهم دخل محمد دحلان ورشيد. 'أنت مريض وعليك أن تسافر. لا تقلق لشأن عودتك'، قال دحلان للرئيس. رد عرفات: 'حسن، سأسافر، ولكن ستأتي أنت ورشيد معي. سنكون هنالك ليومين وسنعود'. سأل أحد الحضور الرئيس، بسخرية، أيريد دحلان الى جانبه لأنه يخاف أن يُجدث المشكلات في البيت ساعة غيابه. ضحك عرفات ورد أنه ' أُحب أبو فادي (دحلان.)
' .في غرفة الجلوس المجاورة ابتدأ النقاش المشحون الذي يتصل بتولي منصب عرفات اثناء غيابه. اجتمع عشرة من المسؤولين الكبار في السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية وقرروا أن يكون أبو مازن، كأمين عام لـ م.ت.ف قائم مقام رئيس المنظمة ايضا. سيتابع أبو علاء ولاية رئاسة الحكومة ويحصل على الصلاحيات التي منحها القانون له لكن عرفات سلبه إياها، في موضوعات الخارجية والأمن. مع انقضاء النقاش نشر اعلان للصحف جاء فيه أن اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف تتمنى لأبي عمار الصحة والشفاء العاجل وأن عرفات يخرج لعلاج طبي في الخارج، وسُلمت ايضا أسماء القائمين مقام عرفات.
في منتصف جلسة متأخرة بعد، أجرتها القيادة الفلسطينية الموسعة، دخلت سهى عرفات الغرفة، بالرغم من أن كثيرا من المشاركين لم يفهموا لماذا تشارك في جلسة القيادة. سيطرت على ادارة الجلسة وبينت للحاضرين أنها ستخرج مع زوجها الى باريس في الغد صباحا. اقترح أحد مسؤولي فتح الكبار أن يدير أبو علاء الاتصالات بالفرنسيين، لكن سهى رفضت ذلك رفضا باتا، بصراخ تقريبا. 'أنا زوجته، أنا المسؤولة عنه'، قالت. 'نسقت كل شيء مع الفرنسيين ولا توجد حاجة لتدخل آخر'. بعد زمن قصير دخلت الغرفة أم سهى ايضا، ريموندا الطويل. 'كان معلوما للجميع أنهما لم ترَ احداهما الاخرى زمنا طويلا'، يقول أحد اعضاء القيادة. 'توقعنا لقاء دراميا، لكننا دهشنا لرؤية أن سهى لم تقم حتى لاستقبال أمها. انحنت ريموندا اليها، واحتضنتها وقبلتها وقالت 'حبيبتي سهى'. لكن الابنة اكتفت بقبلة وبسلام بارد: 'أهلا، يا ماما' '.